الاثنين، فبراير 07، 2011

إنها رحلة القلوب




إنها رحلة تاريخية.. رحلة عمرية.. رحلة خالدة.. إنها رحلة القلوب إلى علام الغيوب.. إنها رحلة الأفئدة إلى رب البرية.. لن تجد في حياتك رحلة أجمل منها وأمتع منها وأروع منها..إنها رحلة المشتاقين..إنها رحلة المحبين..إنها رحلة المؤمنين..قال سري السقطي رحمه الله: خرجت إلى الحج من طريق الكوفة فلقيت جارية حبشية تمشي فقلت إلى أين يا جارية ؟ فقالت: إلى مكة فقلتلها: إن الطريق بعيد، فقالت: ( بعيد على كسلان أو ذي ملالة وأما على المشتاق فهوقريب قلوب اشتاقت إلى الله.. قلوب أحبت لقاء الله.. فلم تتوانى أو تتكاسل عن أداء هذه الفريضة مهما كان بُعدُ الطريق.. ومهما قلَّ الزاد والمال.. لكن الاشتياق يتعدى كل ذلك.. ( وأما على المشتاق فهو قريب(.إنها رحلة القلوب يوم أن خرج الحاج لا رياء ولا سمعة.. وإنما خرج بقلبٍ كله إخلاص لأن رحلة الحج تتطلب إخلاصا وتتطلب توحيدا..إنه خرج في هذه الرحلة كل همه أن يرضى الله عنه.. لم يخرج لمال ولا لجاه ولا لوظيفة ولا لزواج.. وإنما خرج يريد تطهيرا وتزكية.. يريد تكفيراً ومكرمة..غاية الرحلة ومقصودها وأمنية الرحلة ومنشودها هو أن يخرج الحاج نقياً من الذنوب.. طاهرا من السيئات.. ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).. فأي فضل أعظم من هذا.. وأي جزاء أجزل من هذا ؟
أخي الحبيب.. إن المتأمل في رحلة الحج ليجد زهداً عن الدنيا وبعدا عن ملذاتها.. هروبٌ كامل عن زينةالدنيا.. وابتعادٌ كامل عن شهوات الدنيا.. ففي لباس الإحرام مثلا تذكير بلباس الكفن.. وما أجمل أن يستحضر المحرم أنه حين يلبس ملابس الإحرام يتذكر ذلك الكفن الذي يلبسه عند الموت فتصفوا نفسه، ويزداد إيمانه، ويرق قلبه.. ( كل نفس ذائقة الموت ثمإلينا ترجعون.(
وفي استحباب الاغتسال عند الإحرام تذكيرٌ للمحرم بالطهارة القلبية.. فكما أن المحرم طهر جوارحه بالاغتسال فيحرص أيضا على تطهير قلبه من الأدران والذنوب.. فلابد من التخلية قبل التحلية.. فيصبح القلب أبيضا كما أن الجسد تلبَّس بالبياض.. فما أجمل ذلك اللباس !بل يزداد الإيمان ويقوى إذا قال المحرم: ) لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).. ما أروع هذا الذكر.. وما أعظم هذه التلبية..فإذا قال الحاج ( لبيك اللهم لبيك... ) ثارت نفسه بالأشواق.. وفاضت نفسه بالحب، والتهبت شعلة التوحيد في عروقه ودمه.. ويشعر الحاج أنه ليس وحده الذي يُلبِّي.. بل تُلبِّي الأشجار و الأحجار..وفي صحيح الجامع: ( ما من مسلم يُلبِّي إلا لبَّى ما عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا أو ههنا ).. الله أكبر.. حتى الأشجار والأحجار تلبِّي فما أعظم هذه التلبية.وهنيئا لك يا من عزم على الحج وأنت قد وصلت إلى البيت وطفت به.. ذلك البيت الذي تهفو النفوس إليه.. ذلك البيت الذي تشتاق القلوب إليه.. فصف لي بالله كيف يكون شعورك.. وصف لي بالله كيف يكون إيمانك..؟
ثم عندي رجاء لكل من عزم على الحج هذا العام أن لا يفوتك وأنت في زحمةالطواف أو السعي أو في عرفة أو غير ذلك من المشاعر أن تتذكر ذلك الزحام الرهيب يوم يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا.. لكن هذا الزحام زحام من نوع آخر.. إنه زحام مع خوف ووجل.. ورهبة خشوع.. ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب(...وهكذا لا يخطو الحاج خطو ة و لا يتحرك في المناسك حركة إلا وهو ينظرفيها إلى الله.. ويتطلع فيها إلى مرضاة الله..أظنكم أحبة الإيمان اتفقتم معي بأن رحلة الحج ليست رحلة أجساد.. وإنما هي رحلة القلوب إلى علام الغيوب..هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



الشيخ / محمد بن علي الشهري
إمام وخطيب جامع المتعب بتبوك

ليست هناك تعليقات: